11‏/08‏/2017

عجوزٌ ومصعد.

حْملُّ أكياس السوبر ماركت من السيارة لشقتي في الطابق الخامس أمرٌ شاق جداً ولا يطاق، فبمساعدة صديقي العزيز (خان) حارس العماره أشبه بظهور العجوز الساحرة لسندريلا، بعيداً عن حماقة التشبيه الا أن اللحظة اللي أجد فيها مساعدة أحد خاصةً عندما أكون في حاجته هو أمرٌ يدفع التنهيدة للأعلى، بشكلٍ آخر، هو ممتع.

أتوقع بأن تحمل المسؤولية أياً كانت أمر مُرهق جداً، خصوصاً لي أنا كشخص لا يطيق ابداً فكرة "المسؤولية"، هي تصيبني بالكتمة، ليس لأني غير قادر على إنجازها، لكن أتوقع بأن امامي حياةٌ أكثر بهجةٍ من تحمل مسؤولية تغيير كفرات لسيارتي او لتعبيئة اسطوانة الغاز، أياً كان هذا، أتوقع بأن هُناك من يقوم بفعل تلك المهام البشعة، أياً كان هذا الشخص، فمهمته هي تغيير أسطوانة الغاز، وانا علي بأن أجهز حفلةٍ قادرة على إسعاده، وبذلك أصبحنا متساويين في كفاءت العيش.

اليوم أنا أعيش وحيداً، في شقتي، أملأ الثلاجة بما اشتهي انا فقط، لدي كامل الوقت لنفسي، لا احد هنا يتحكم، او يحدد متى علي أن آكل او حتى متى يجب أن ابدأ بترتيب غرفتي، الحياة هنا بدت عشوائية أكثر من قبل، بالرغم من اني حاولت مراراً في السابق بأن تكون حياتي أكثر تنظيماً، لكني فشلت أو ربما لأني وجدت في العشوائيةِ أكثر مرحاً.

اليوم ادركت، بأن المسؤولية ليست تعبئةً لإسطوانة الغاز فقط، المسؤولية هي حمل نفسك للطابق الخامس وليس اكياساً مملؤوة بالفراغ، المسؤولية هي العشوائية المنظمة، وهي تطرح سؤالاً عليك: هل تستحق حقاً أن تعيش؟ ومن الطبيعي بأن جميعنا يظن بأن من حقه ذلك، اذاً ستبدأ تلك العجوز المدعوةِ بالمسؤولية بقذف بعضاً منها أمامك، وعليك التحمل و أن تكف عن تقيؤ الحياة، زعماً منك، أنها قد أصبحت بشعةٌ الآن.

بالمناسبة، في العمارة التي تحتضن شقتي مصعدان، هما أجدر من الكثيرين بالعيش.

08‏/08‏/2017

إيقاع يومي

بدأت أولاً فالبحث، ولا أزال أخوض ذلك البحث، وأعلم كذلك بأني سأبقى غريقاً لمهزلة البحث.
تعلمت بأن كل شيء قابلاً للتمدد، فبدت بمحاولٍ التمدد فوق كل شيء، التمدد للتقبل، والتمدد للتعلم، والتمدد كذلك للبقاء، بدت أتمدد لأكون خيراً وصالحاً، وتمددت كذلك لأسمع وأتنفس بحُب، وعلى كل حال، أنا اتمدد لأستمتع ولأبقى على قيد الفرح طائراً فوق الحياة، فوق منازل الغضب والزعل، وفوق أبجديات الصُخط والقلق.

عندما بدأت بالبحث، بحثتُ أولاً عن الله، وبعدها عن السلام وبعدها عن الحياة، وأكتشفت اخيراً بأني قد وجدت ذاتي تُحلق بخجلٍ لتبقى غائرتاً من كل بحثٍ قد ألتهيتُ بهِ عنها، فبحثتُ عنها، بدأت أفتش عن كل سرٍ مخبأٌ بها، لأكشفهُ وليبقى مفضوحاً لي، وخبأت اسراراً في داخلها، وبدأت اغازلها، ولم أثور ابداً عليها، كانت كعشيقةٍ لي، أزورها كل حينٍ، كل ليلة، تبادلنا الأغاني اولاً ثم تبادلنا كل شيء، كُنت مبتسماً لحديثها، وهائجاً لشهوتها، كُنت ألبي كل طلباتها بشغف أبٍ لتو رُزق بطفلٍ بعد معانتٍ ستةٌ وثلاثين عام، بقيتُ بجانبها دائماً ومررنا بالكثير، فبدأنا نحكي لبعضنا عن كل شيء، عن الحُب، وعن البهجة، عن الزعل والألم، عن ما نأمل بأن يكون عليه هذا العالم، وعن ما كَسرنا ولم نثور، عن الحياة وكل تقاسيم الحياة.

لأبدأ هُنا ولأدون عن ما حَدث حديثاً، يعني عن عشناه أنا وذاتي، عن بحثي، عن خبايا الحياة، ولن أكون هُنا وحدي، ستكون ذاتي شريكاً لي في ايقاع الكتابةٍ هُنا، سأكتب عن ما شعر به قلبي، عن ما خبأتهُ في صدري، وعن ما يخوض في متاهات عقلي، سأجعل هذا المكان كَصُندوقٍ لأخبئ به حكايا الأيام وتفاصيلها، وسأبقى، سيكون تمريناً للكتابة، للشعور، للفرح.

حَدث حَديثاً، يوميات أنيقه يتحدث بها القلب والذات والعقل، ويكتبها شابٌ تمرد ولعنهُ مُنظِرٌ عجوز.